فصل: سنة ثلاثين ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة ثلاثين ومائتين وألف:

.شهر صفر الخير سنة 1230:

واستهل شهر صفر الخير بيوم الخميس في خامس عشرينه نودي بنقص مصارفة أصناف المعاملة وقد وصل صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية إلى ثلثمائة وأربعين نصفاً عنها ثمانية قروش ونصف فنودي عليه بنقص نصف قرش والمحبوب وصل إلى عشرة قروش فنودي عليه بتسعة قروش وشددوا في هذه المناداة تشديداً زائداً وقتل كل من زاد من غير معارضة وكتبوا مراسيم إلى جميع البنادر وفيها التشديد والتهديد والانتقام ممن يزيد.
وفي أواخره، التزم المعلم غالي بمال الجزية التي تطلب من النصارى على خمسة وثمانين كيساً وسبب ذلك أن بعض أتباع المقيد لقبض الجوالي قبض على شخص من النصارى وكان من قسوسهم وشدد عليه في الطلب وأهانه فأنهوا الأمر إلى المعلم غالي ففعل ذلك قصداً لمنع الإيذاء عن أبناء جنسه ويكون الطلب منه عليهم ومنع المتظاهرين بالإسلام عنهم.

.شهر ربيع الأول سنة 1230:

واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت في تاسعه وصلت قافلة طيارى من الحجاز قدم صحبتها السيد عبد الله القماعي ومعها هجانة من الحجاز وعلى يدهم مكاتبات وفيها الأخبار والبشرى بنصرة الباشا على العرب وأنه استولى على تربة وغنم منها جمالاً وغنائم وأخذ منهم أسرى، فلما وصلت الأخبار بذلك انطلق المشردون إلى بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش وضربوا في صبحها مدافع كثيرة من القلعة.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره، كان المولد النبوي فنودي في صبحه بزينة المدينة وبولاق ومصر القديمة ووقود القناديل والسهر ثلاثة أيام بلياليها، فلما أصبح يوم الأربعاء والزينة بحالها إلى بعد أذان العصر نودي برفعها ففرح أهل الأسواق بإزالتها ورفعها لما يحصل لهم من التكاليف والسهر في البرد والهواء خصوصاً، وقد حصل في آخر ليلة رياح شديدة.
وفي هذه الأيام سافر محمود بك والمعلم غالي ومن يصحبهما من النصارى الأقباط وأخذوا معهم طائفة من الكتبة الأفندية المختصين بالروزنامة ومنهم محمد أفندي المنفصل عن الروزنامة ونزلوا لإعادة قياس الأراضي وتحرير الري والشراقي وسبقهم القياسون بالأقصاب نزلوا وسرحوا قبلهم بنحو عشرة أيام وشرع كشاف النواحي في قبض الترويجة من المزارعين وفرضوا على كل فدان الأدنى تسعة ريالات إلى خمسة عشر بحسب جودة الأراضي ورداءتها وهذا الطلب في غير وقته لأنه لم يحصل حصاد للزرع وليس عند الفلاحين ما يقتاتون منه ومن العجب أنه لم يقع مطر في هذه السنة أبداً ومضت أيام الشتاء ودخل فصل الربيع، ولم يقع غيث أبداً سوى ما كان يحصل في بعض الأيام من غيوم وأهوية غربية ينزل مع هبوبها بعض رشاش قليل لا تبتل الأرض منه ويجف بالهواء بمجرد نزوله.
وفي أواخره، ورد لحضرة الباشا هدية من بلاد الإنكليز وفيها طيور مختلفة الأجناس والأشكال كبار وصغار وفيها ما يتكلم ويحاكى وآلة مصنوعة لنقل الماء يقال لها الطلمبه وهي تنقل الماء إلى المسافة البعيدة ومن الأسفل إلى العلو ومرآة زجاج نجف كبيرة قطعة واحدة وساعة تضرب مقامات موسيقى في كل ربع يمضي من الساعة بأنغام مطربة وشمعدان به حركة غريبة كلما طالت فتيلة الشمعة غمز بحركة لطيفة فيخرج منه شخص لطيف من جانبه فيقط رأس الفتيلة بمقص لطيف بيده ويعود راجعاً إلى داخل الشمعدان هذا ما بلغني ممن ادعى أنه شاهد ذلك.
وفيه عملوا تسعيرة على المبيعات والمأكولات مثل اللحم والسمن والجبن والشمع ونادوا بنقص أسعارها نقصاً فاحشاً وشددوا في ذلك بالتنكيل والشنق والتعليق وخرم الآناف فارتفع السمن والزبد والزيت من الحوانيت وأخفوه وطفقوا يبيعونه في العشيات بالسعر الذي يختارونه على الزبون وأما السمن فلكثرة طلبه لأهل الدولة شح وجوده وإذا ورد منه شيء خطفوه وأخذوه من الطريق بالسعر الذي سعره الحاكم وانعدم وجوده عند القبانية وإذا بيع منه شيء بيع سراباً قصى الثمن وأما السكر والصابون فبلغا الغاية في غلو الثمن وقلة الوجود لأن إبراهيم باشا احتكر السكر بأجمعه الذي يأتي من الصعيد وليس بغير الجهة القبلية شيء منه فيبيعه على ذمته وهو في الحقيقة لأبيه، ثم صار نفس الباشا يعطي لأهل المطابخ بالثمن الذي يعنيه عليهم ويشاركهم في ربحه فزاد غلو ثمنه على الناس وبيع الرطل من السكر الصعيدي الذي كان يباع بخمسة أنصاف فضة بثمانين نصفاً وأما الصابون ففرضوا على تجاره غرامة فامتنع وجوده وبيع الرطل الواحد منه خفية بستين نصفاً وأكثر وفي هذه الأيام غلا سعر الحنطة والفول وبيع الأردب بألف ومائتي نصف فضة خلاف الكلف والأجرة مع أن الأهراء والشون ببولاق ملآنة بالغلال ويأكلها السوس ولا يخرجون منها للبيع شيئاً حتى قيل لكتخدا بك في إخراج شيء منها يباع في الناس، فلم يأذن وكأنه لم يكن مأذوناً من مخدومه.

.شهر ربيع الثاني سنة 1230:

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين في ثامنه عمل محرم بك الكورنتينة بالجيزة على نسق السنة الماضية من إخراج الناس وإزعاجهم تطيراً خوفاً من الطاعون.
وفيه خوزقوا شيخ عرب بلى فيما بين العرب والهلايل بعد حبسه أربعة أشهر.
وفي يوم الجمعة ثامن عشرينه، ضربت مدافع وأشيع الخبر بوصول شخص عسكري بمكاتبات من الباشا وخلافه والخبر بقدوم الباشا وانتشرت المبشرون إلى بيوت الأعيان وأصحاب المظاهر على عاداتهم لأخذ البقاشيش فمن قائل أنه وصل إلى القصير ومن قائل أنه نزل إلى السفينة بالبحر ومنهم من يقول إنه حضر إلى السويس، ثم اختلفت الروايات وقالوا أن الذي وصل إلى السويس حريم الباشا فقط، ثم تبين كذب هذه الأقاويل وأنها مكاتبات فقط مؤرخة أواخر شهر صفر يذكرون فيها أن الباشا حصل له نصر واستولى على ناحية يقال لها بيشة ورينة وقتل الكثير من الوهابيين وأنه عازم على الذهاب إلى ناحية قنفدة، ثم ينزل بعد ذلك إلى البحر ويأتي إلى مصر ووصل الخبر بوفاة الشيخ إبراهيم كاتب الصرة.

.شهر جمادى الأول سنة 1230:

واستهل شهر جمادى الأول بيوم الثلاثاء في سادسه يوم الأحد ضربت مدافع بعد الظهيرة لورود مكاتبة بأن الباشا استولى على ناحية من النواحي جهة قنفدة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره، وصل المحمل إلى بركة الحج وصحبته من بقي من رجال الركب مثل خطيب الجبل والصيرفي والمحملجية ووردت مكاتبات بالقبض على طامي الذي جرى منه ما جرى في وقائع قنفدة السابقة وقتله العساكر، فلم يزل راجح الذي اصطلح مع الباشا ينصب له الحبائل حتى صاده وذلك أنه عمل لابن أخيه مبلغاً من المال إن هو أوقعه في شركه فعمل له وليمة ودعاه إلى محله فأتاه آمناً فقبض عليه واغتاله طمعاً في المال وأتوا به إلى عرضي الباشا فوجهه إلى بندر جدة في الحال وأنزلوه السفينة وحضروا به إلى السويس وعجلوا بحضوره، فلما وصل إلى البركة والمحمل إذ ذاك بها خرجت جميع العساكر في ليلة الاثنين حادي عشرينه وانجروا في صبحها طوائف وخلفهم المحمل مبعد مرورهم دخلوا بطامي المذكور وهو راكب على هجين وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجين وصورته رجل شهم عظيم اللحية وهو لابس عباءة عبدانية ويقرأ وهو راكب وعملوا في ذلك اليوم شنكاً ومدافع وحضر أيضاً عابدين بك وتوجه إلى داره في ليلة الاثنين.

.شهر جمادى الثانية سنة 1230:

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الخميس في خامسه وصلت عساكر في داوات إلى السويس وحضروا إلى مصر وعلى رؤوسهم شلنجات فضة إعلاماً وإشارة بأنهم مجاهدون وعائدون من غزو الكفار وأنهم افتتحوا بلاد الحرمين وطردوا المخالفين لديانتهم حتى أن طوسون باشا وحسن باشا كتبا في إمضائهما على المراسلات بعد اسمهما لفظة المغازي والله أعلم بخلقه.
وفي تاسعه، أخرجوا عساكر كثيرة وجوههم إلى الثغور ومحافظة الأساكل خوفاً من طارق يطرق الثغور لأنه أشيع أن بونابارته كبير الفرنساوية خرج من الجزيرة التي كان بها ورجع إلى فرنسا وملكها وأغار على بلاد الجورنة وخرج بعمارة كبيرة لا يعلم قصده إلى أي جهة يريد فربما طرق ثغر الإسكندرية أو دمياط على حين غفلة وقيل غير ذلك وسئل كتخدا بك عن سبب خروجهم فقال خوفاً عليهم من الطاعون ولئلا يوخموا المدينة لأنه وقع في هذه السنة موثان بالطاعون وهلك الكثير من العسكر وأهل البلدة والأطفال والجواري والعبيد خصوصاً السودان فإنه لم يبق منهم إلا القليل النادر وخلت منهم الدور.
وفي منتصفه أخرج كتخدا بك صدقة تفرق على الأولاد الأيتام الذين يقرؤون بالكتاتيب ويدعون برفع الطاعون فكانوا يجمعونهم ويأتي بهم فقهاؤهم إلى بيت حسن كتخدا الكتخدا عند مصلى ويدفعون لكل صغير ورقة بها ستون نصفاً فضة يأخذ منها جزأ الذي يجمع الطائفة منهم ويدعى أنه معلمهم زيادة عن حصته لأن معلم المكاتب مغلوقة وليس بها أحد بسبب تعطيل الأوقاف وقطع إيرادهم وصار لهذه الأطفال جلبة وغوغاء في ذهابهم ورجوعهم في الأسواق وعلى بيت الذي يقسم عليهم.

.شهر رجب سنة 1230:

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة في سادسه يوم الأربعاء وصلت هجانة من ناحية قبلي وأخبروا بوصول الباشا إلى القصير فخلع عليهم كتخدا بك كساوى ولم يأمر بعمل شنك ولا مدافع حتى يتحقق صحة الخبر.
وفي ليلة الجمعة ثامنه، احترق بيت طاهر باشا بالأزبكية والبيت الذي بجواره أيضاً.
وفي يوم الجمعة المذكور قبل العصر ضربت مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وذلك عندما ثبت وتحقق ورود الباشا إلى قنا وقوص ووصل أيضاً حريم الباشا وطلعوا إلى قصر شبرا وركب للسلام عليها جميع نساء الأكابر والأعيان بهداياهم وتقادمهم ومنعوا المارين من المسافرين والفلاحين الواصلين من الأرياف المرور من تحت القصر الذي هو الطريق المعتادة للمسافرين فكانوا يذهبون ويمرون من طريق استحدثوها منعطفة خلف تلك الطريق ومستبعدة بمسافة طويلة.
وفي ليلة الخميس رابع عشره، انخسف جرم القمر جميعه بعد الساعة الثالثة وكان في آخر برج القوس.
وفي ليلة الجمعة خامس عشره، وصل الباشا إلى الجيزة ليلاً فأقام بها إلى آخر الليل، ثم حضر إلى داره بالأزبكية فأقام بها يومين وحضر كتخدا بك وأكابر دولته للسلام عليه، فلم يأذن لأحد وكذلك مشايخ الوقت ذهبوا ورجعوا ولم يجتمع به أحد سوى ثاني يوم وترادفت عليه التقادم والهدايا من كل نوع من أكابر الدولة والنصارى بأجناسهم خصوصاً الأرمن وخلافهم بكل صنف من التحف حتى السراري البيض بالحلي والجواهر وغير ذلك وأشيع في الناس في مصر وفي القرى بأنه تاب عن الظلم وعزم على إقامة العدل وأنه نذر على نفسه أنه إذا رجع منصوراً واستولى على أرض الحجاز أفرج للناس عن حصصهم ورد الأرزاق الأحباشية إلى أهلها وزادوا على هذه الإشاعة أنه فعل ذلك في جميع النواحي وباتوا يتخيلونه في أحلامهم، ولما مضى من وقت حضوره ثلاثة أيام كتبوا أوراقاً لمشاهير الملتزمين مضمونها أنه بلغ حضرة أفندينا ما فعله الأقباط من ظلم الملتزمين والجور عليهم في فائظهم، فلم يرض بذلك والحال أنكم تحضرون بعد أربعة أيام وتحاسبون على فائظكم وتقبضونه فغن أفندينا لا يرضى بالظلم وعلى الأوراق إمضاء الدفتردار ففرح أكثر المغفلين بهذا الكلام واعتقدوا صحته وأشاعوا أيضاً أنه نصب تجاه قصر شبرا خوازيق للمعلم غالي وأكابر القبط.
وفي رابع عشرينه، حضر الكثير من أصحاب الأرزاق الكائنين بالقرى والبلاد مشايخ وأشرافاً وفلاحين ومعهم بيارق وأعلام مستبشرين وفرحين بما سمعوه وأشاعوه وذهبوا إلى الباشا وهو يعمل رماحة بناحية القبة برمي بنادق كثيرة وميدان تعليم، فلما رآهم وأخبروه عن سبب مجيئهم فأمر بضربهم وطردهم ففعلوا بهم ذلك ورجعوا خائبين.
وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما وقابلا الباشا وخلع عليهما وكساهما وألبسهما فراوي سمور فركب المعلم غالي وعليه الخلعة وشق من وسط المدينة وخلفه عدة كثيرة من الأقباط ليراه الناس ويكمد الأعداء ويبطل ما قيل من التقولات، ثم أقام هو ومحمود بك أياماً قليلة ورجعا لأشغالهما وتتميم أفعالهما من تحرير القياس وجبي الأموال وكانا أرسلا قبل حضورهما عدة كثيرة من الجمال الحاملة للأموال في كل يوم قطارات بعضها أثر بعض من الشرقية والغربية والمنوفية وباقي الأقاليم.
وفيه حضر شيخ طرهونة بجهة قبلي ويسمى كريم بضم الكاف وفتح الراء وتشديد الياء وسكون الميم وكان عاصياً على الباشا ولم يقابله أبداً، فلم يزل يحتال عليه إبراهيم باشا ويصالحه ويمنيه حتى أتى إليه وقابله وأمنه، فلما حضر الباشا أبوه من الحجاز أتاه على أمان ابنه وقدم معه هدية وأربعين من الإبل فقبل هديته، ثم أمر برمي عنقه بالرميلة.

.شهر شعبان سنة 1230:

والناس في أمر مريج من قطع أرزاقهم وأرباب الالتزامات والحصص التي ضبطها الباشا ورفع أيديهم عن التصرف في شيء منها خلاطين الأوسية فإنه سامحهم فيه سوى ما زاد عن الروك الذي قاسوه فإنه لديوانه ووعدهم بصرف المال الحر المعين بالسند الديواني فقط بعد التحرير والمحاققة ومناقضة الكتبة الأقباط في القوائم وأقاموا منتظرين إنجاز وعده أياماً يغدون ويروحون ويسألون الكتبة ومن له صلة بهم وقد ضاق خناقهم من التفليس وقطع الإيراد ورضوا بالأقل وتشوقوا لحصوله وكل قليل يعدون بعد أربعة أيام أو ثلاثة أيام حتى تحرر الدفاتر فإذا تحررت قيل أن الباشا أمر بتغييرها وتحريرها على نسق آخر ويكرر ذلك ثانياً وثالثاً على حسب تفاوت المتحصل في السنين، وما يتوفر في الخزينة قليلاً أو كثيراً.
وفيه وصل رجل تركي على طريق دمياط يزعم أنه عاش من العمر زمناً طويلاً وأنه أدرك أوائل القرن العاشر ويذكر أنه حضر إلى مصر مع السلطان سليم وأدرك وقته وواقعته مع السلطان الغوري وكان في ذلك الوقت تابعاً لبعض البيرقدارية وشاع ذكره وحكي من رآه أن ذاته تخالف دعواه وامتحنه البعض في مذاكرة الأخبار والوقائع فحصل منه تخليط، ثم أمر الباشا بنفيه وإبعاده فأنزلوه في مركب وغاب خبره فيقال أنهم أغرقوه والله أعلم.
وفي خامس عشرينه، عملوا الديوان ببيت الدفتردار وفتحوا باب صرف الفائظ على أرباب حصص الالتزام فجعلوا يعطون منه جانباً وأكثر ما يعطونه نصف القدر الذي قرروه وأقل وأزيد قليلاً.
وفيه أمر الباشا لجميع العساكر بالخروج إلى الميدان لعمل التعليم والرماحة خارج باب النصر حيث قبة العزب فخرجوا من ثلث الليل الأخير وأخذوا في الرماحة والبندقة المتواصلة المتتابعة مثل الرعود على طريقة الإفرنج وذلك قبيل الفجر إلى الضحوة، ولما انقضى ذلك رجعوا داخلين إلى المدينة في كبكبة عظيمة حتى زحموا الطرق بخيولهم من كل ناحية وداسوا أشخاصاً من الناس بخيولهم بل وحميراً أيضاً وأشيع أن الباشا قصده إحصاء العسكر وترتيبهم على النظام الجديد وأوضاع الإفرنج ويلبسهم الملابس المقمطة ويغير شكلهم وركب في ثاني يوم إلى بولاق وجمع عساكر ابنه إسمعيل باشا وصنفهم على الطريقة المعروفة بالنظام الجديد وعرفهم قصده فعل ذلك بجميع العساكر ومن أبى ذلك قابله بالضرب والطرد والنفي بعد سلبه حتى من ثيابه، ثم ركب من بولاق وذهب إلى شبرا وحصل في العسكر قلقلة ولغط وتناجوا فيما بينهم وتفرق الكثير منهم عن مخاديمهم وأكابرهم ووافقهم على النفور بعض أعيانهم واتفقوا على غدر الباشا، ثم أن الباشا ركب من قصر شبرا وحضر إلى بيت الأزبكية ليلة الجمعة ثامن عشرينه، وقد اجتمع عند عابدين بك بداره جماعة من أكابرهم في وليمة وفيهم حجو بك وعبد الله آغا صاري جلة وحسن آغا الأزرنجلي فتفاوضوا بينهم أمر الباشا وما هو شارع فيه واتفقوا على الهجوم عليه في داره بالأزبكية في الفجرية، ثم إن عابدين بك غافلهم وتركهم في إنسهم وخرج متنكراً مسرعاً إلى الباشا وأخبره ورجع إلى أصحابه فأسرع الباشا في الحال الركوب في سادس ساعة من الليل وطلب عساكر طاهر باشا فركبوا معه وحوط المنزل بالعساكر، ثم أخلف الطريق وذهب على ناحية الناصرية ومرمى النشاب وصعد إلى القلعة وتبعه من يثق به من العساكر وانخرم أمر المتوافقين، ولم يسعهم الرجوع عن عزيمتهم فساروا إلى بيت الباشا يريدون نهبه فمانعهم المرابطون وتضاربوا بالرصاص والبنادق وقتل بينهم أشخاص، ولم ينالوا غرضاً فساروا على ناحية القلعة واجتمعوا بالرميلة وقراميدان وتحيروا في امرهم واشتد غيظهم وعلموا أو وقوفهم بالرميلة لا يجدي شيئاً وقد أظهروا المخاصمة ولا ثمرة تعود عليهم في رجوعهم وسكونهم بل ينكسف بالهم وتنذل أنفسهم ويلحقهم اللوم من أقرانهم الذين لم ينضموا إليهم فأجمع رأيهم لسور طباعهم وخبث عقيدتهم وطرائقهم أنهم يتفرقون في شوارع المدينة وينهبون متاع الرعية وأموالهم فإذا فعلوا ذلك فيكثر جمعهم وتقوى شوكتهم ويشاركهم المخلفون عنهم لرغبة الجميع في القبائح الذميمة ويعودون بالغنيمة ويحوصلون من الحواصل ولا يضيع سعيهم في الباطل،كما يقال في المثل ما قدر على ضرب الحمار فضرب البرذعة ونزلوا على وسط قصبة المدينة على الصليبة على السروجية وهم يكسرون ويهشمون أبواب الحوانيت المغلوقة وينهبون ما فيها لأن الناس لما تسامعوا بالحركة أغلقوا حوانيتهم وأبوابهم وتركوا أسبابهم طلباً للسلامة وعندما شاهد باقيهم ذلك أسرعوا للحوق وبادروا معهم للنهب والخطف بل وشاركهم الكثير من الشطار والزعر والعامة المقلين والجياع ومن لا دين له وعند ذلك كثر جمعهم ومضوا على طريقهم إلى قصبة رضوان إلى داخل باب زويلة وكسروا حوانيت السكرية وأخذوا ما وجدوه من الدراهم وما أحبوه من أصناف السكر فجعلوا يأكلون ويحملون ويبددون الذي لم يأخذوه ويلقونه تحت الأرجل في الطريق وكسروا أواني الحلو وقدور المربيات وفيها ما هو من الصيني والبياغوري والإفرنجي ومجامع الأشربة وأقراص الحلو الملونة والرشال والملبس والفانيد والحماض والبنفسج وبعد أن يأكلوا ويحملوا هم وأتباعهم ومن انضاف لهم من الأوباش البلدية والحرافيش والجعيدية يلقون ما فضل عنهم على قارعة الطريق بحيث صار السوق من حد باب زويلة إلى المناخلية مع اتساعه وطوله مرسوماً ومنقوشاً بألوان السكاكر وأقراص الأشربة الملونة وأعسال المربيات سائلة على الأرفن وكان أهل ذلك السوق المتسببون جددوا وطبخوا أنواع المربيات والأشربة عند وفور الفواكه وكثرتها في أوانها وهو هذا الشهر المبارك مثل الخوخ والتفاح والبرقوق والتوت والقرع المسير والحصرم والسفرجل وملئوا الأوعية وصففوها على حوانيتهم للمبيع وخصوصاً على موسم شهر رمضان ومضوا في سيرهم إلى العقادين الرومي والغورية والأشرفية وسوق الصاغة ووصلت طائفة إلى سوق مرجوس فكسروا أبواب الحوانيت والوكائل والخانات ونهبوا ما في حواصل التجار من الأقمشة المحلاوي والبز والحرير والزردخان ولما وصلت طائفة إلى رأس خان الخليلي وأرادوا العبور والنهب فزعت فيهم الأتراك والأرنؤد الذين يتعاطون التجارة الساكنون بخان اللبن والنحس وغيرهما وضربوا عليهم الرصاص وكذلك من سوق الصرماتية والأتراك الخردجية الساكنون بالرباع بباب الزهومة جعلوا يرمون عليهم من الطيقان بالرصاص حتى ردوهم ومنعوهم وكذلك تعصبت طائفة المغاربة الكائنون بالفحامين وحارة الكعكيين رموا عليهم بالرصاص وطردوهم عن تلك الناحية وأغلقوا البوابات التي على رؤوس العطف وجلس عند كل درب أناس ومن فوقهم أناس من أهل الخطة بالرصاص تمنع الواصل إليهم ووصلت طائفة إلى خان الحمزاوي فعالجوا في بابه حتى كسروا الخوخة التي في الباب وعبروا الخان وكسروا حواصل التجار من نصارى الشوام وغيرهم ونهبوا ما وجدوه من النقود وأنواع الأقمشة الهندية والشامية والمقصبات وبالات الجوخ والقطيفة والأسطوفة وأنواع الشيت والحرير الخام والإبريسم وغير ذلك وتبعهم الخدم والعامة في نهب وأخرجوا في الدكاكين والحواصل من أنواع الأقمشة وأخذوا ما أعجبهم واختاروه وانتقوه وتركوا ما تركوه ولم يقدروا على حمله مطروحاً على الأرض ودهليز الخان وخارج السوق يطئون عليه بالأرجل والنعالات ويعدو القوي على الضعيف فيأخذ ما معه من الأشياء الثمينة وقتل بعضهم البعض وكسروا أبواب الدكاكين التي خارج الخان بالخطة وأخرجوا ما فيها من الأواني والتحف الصيني والزجاج المذهب والكاسات البلور والصحون والأطباق والفناجين البيشة وأنواع الخردة وأخذوا ما أعجبهم، وما وجدوه من نقود ودراهم وهمشوا البواقي وكسروه وألقوه على الأرض يحي الأرجل شقاقاً وما به من حوانيت العطارين وطرحوا أنواع الأشياء العطرية بوسط الشارع تداس بالأرجل أيضاً وفعلوا ما لا خير فيه من نهب أموال الناس والإتلاف ولولا الذين تصدوا لدفعهم ومنعهم بالبنادق والكرانك وغلق البوابات لكان الوقع أفظع من ذلك ولنهبوا أيضاً البيوت وفجروا بالنساء والعياذ بالله ولكن الله سلم وشاركهم في فعلهم الكثير من الأوباش والمغاربة المدافعين أيضاً فإنهم أخذوا أشياء كثيرة وكانوا يقبضون على من يمر بهم ممن يقدرون عليه من النهابين ويأخذون ما معهم لأنفسهم وإذا هشمت العساكر حانوتاً وخطفوا منها شيئاً ولحقهم من يطردهم عنها استأصل اللاحقون ما فيها واستباح الناس أموال بعضهم البعض وكان هذا الحادث الذي لم نسمع بنظيره في دولة من الدول في ظرف خمس ساعات، وذلك من قبيل صلاة الجمعة إلى قبيل العصر حصل للناس في هذه المدة اليسيرة من الانزعاج والخوف الشديد ونهب الأموال وإتلاف الأسباب والبضائع ما لا يوصف، ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم وأغلقت المساجد الكائنة بداخل المدينة وأخذ الناس حذرهم ولبسوا أسلحتهم وأغلقوا البوابات وقعدوا على الكرانك والمرابط والمتاريس وسهروا الليالي وأقاموا على التحذر والتحفظ والتخوف أياماً وليالي. حوانيت والوكائل والخانات ونهبوا ما في حواصل التجار من الأقمشة المحلاوي والبز والحرير والزردخان ولما وصلت طائفة إلى رأس خان الخليلي وأرادوا العبور والنهب فزعت فيهم الأتراك والأرنؤد الذين يتعاطون التجارة الساكنون بخان اللبن والنحس وغيرهما وضربوا عليهم الرصاص وكذلك من سوق الصرماتية والأتراك الخردجية الساكنون بالرباع بباب الزهومة جعلوا يرمون عليهم من الطيقان بالرصاص حتى ردوهم ومنعوهم وكذلك تعصبت طائفة المغاربة الكائنون بالفحامين وحارة الكعكيين رموا عليهم بالرصاص وطردوهم عن تلك الناحية وأغلقوا البوابات التي على رؤوس العطف وجلس عند كل درب أناس ومن فوقهم أناس من أهل الخطة بالرصاص تمنع الواصل إليهم ووصلت طائفة إلى خان الحمزاوي فعالجوا في بابه حتى كسروا الخوخة التي في الباب وعبروا الخان وكسروا حواصل التجار من نصارى الشوام وغيرهم ونهبوا ما وجدوه من النقود وأنواع الأقمشة الهندية والشامية والمقصبات وبالات الجوخ والقطيفة والأسطوفة وأنواع الشيت والحرير الخام والإبريسم وغير ذلك وتبعهم الخدم والعامة في نهب وأخرجوا في الدكاكين والحواصل من أنواع الأقمشة وأخذوا ما أعجبهم واختاروه وانتقوه وتركوا ما تركوه ولم يقدروا على حمله مطروحاً على الأرض ودهليز الخان وخارج السوق يطئون عليه بالأرجل والنعالات ويعدو القوي على الضعيف فيأخذ ما معه من الأشياء الثمينة وقتل بعضهم البعض وكسروا أبواب الدكاكين التي خارج الخان بالخطة وأخرجوا ما فيها من الأواني والتحف الصيني والزجاج المذهب والكاسات البلور والصحون والأطباق والفناجين البيشة وأنواع الخردة وأخذوا ما أعجبهم، وما وجدوه من نقود ودراهم وهمشوا البواقي وكسروه وألقوه على الأرض يحي الأرجل شقاقاً وما به من حوانيت العطارين وطرحوا أنواع الأشياء العطرية بوسط الشارع تداس بالأرجل أيضاً وفعلوا ما لا خير فيه من نهب أموال الناس والإتلاف ولولا الذين تصدوا لدفعهم ومنعهم بالبنادق والكرانك وغلق البوابات لكان الوقع أفظع من ذلك ولنهبوا أيضاً البيوت وفجروا بالنساء والعياذ بالله ولكن الله سلم وشاركهم في فعلهم الكثير من الأوباش والمغاربة المدافعين أيضاً فإنهم أخذوا أشياء كثيرة وكانوا يقبضون على من يمر بهم ممن يقدرون عليه من النهابين ويأخذون ما معهم لأنفسهم وإذا هشمت العساكر حانوتاً وخطفوا منها شيئاً ولحقهم من يطردهم عنها استأصل اللاحقون ما فيها واستباح الناس أموال بعضهم البعض وكان هذا الحادث الذي لم نسمع بنظيره في دولة من الدول في ظرف خمس ساعات، وذلك من قبيل صلاة الجمعة إلى قبيل العصر حصل للناس في هذه المدة اليسيرة من الانزعاج والخوف الشديد ونهب الأموال وإتلاف الأسباب والبضائع ما لا يوصف، ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم وأغلقت المساجد الكائنة بداخل المدينة وأخذ الناس حذرهم ولبسوا أسلحتهم وأغلقوا البوابات وقعدوا على الكرانك والمرابط والمتاريس وسهروا الليالي وأقاموا على التحذر والتحفظ والتخوف أياماً وليالي.
وفي يوم السبت تاسع عشرينه الموافق لآخر يوم من شهر أبيب القبطي أوفى النيل المبارك أذرعه وكان ذلك اليوم أيضاً ليلة رؤية هلال رمضان فصادف حصول الموسمين في آن واحد، فلم يعمل فيها موسم ولا شنك على العادة، ولم يركب المحتسب ولا أرباب الحرف بموكبهم وطبولهم وزمورهم وكذلك شنك قطع الخليج وما كان يعمل في ليلته من المهرجان في النيل وسواحله وعند السد وكذلك في صبحه وفي البيوت المطلة على الخليج فبطل ذلك جليعه ولم يشعر بهما أحد وصام الناس باجتهادهم وكان وفاء النيل في هذه السنة من النوادر فإن النيل لم تحصل فيه الزيادة بطول الأيام التي مضت من شهر أبيب إلا شيئاً يسيراً حتى حصل في الناس وهم زائد وغلا سعر الغلة ورفعوها من السواحل والعرصات فأفاض المولى في النيل واندفعت فيه الزيادة العظيمة وفي ليلتين أوفى أذرعه قبل مظنته فإن الوفاء لا يقع في الغالب إلا في شهر مسرى ولم يحصل في أواخر أبيب إلا في النادر وإني لم أدركه في سنين عمري أو في أبيب إلا مرة واحدة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فتكون المدة بين تلك وهذه المدة سبعاً وأربعين سنة.
وفيه أرسل الباشا بطلب السيد محمد المحروقي فطلع إليه وصحبته عدة كبيرة من عسكر المغاربة لخفارته فلما واجهه قال له هذا الذي حصل للناس من نهب أموالهم في صحائفي والقصد أنكم تتقدمون لأرباب المنهوبات وتجمعونهم بديوان خاص طائفة بعد أخرى وتكتبون قوائم لكل طائفة بما ضاع لها على وجه التحرير والصحة وأنا أقوم لهم بدفعه بالغاً ما بلغ فشكر له ودعا له ونزل إلى داره وعرف الناس بذلك وشاع بينهم فحصل لأربابه بعض الاطمئنان وطلع إلى الباشا كبار العسكر مثل عابدين بك ودبوس أوغلي وحجو بك ومحو بك واعتذروا وتنصلوا وذكروا وأقروا أن هذا الواقع اشتركت فيه طوائف العسكر وفيهم من طوائفهم وعساكرهم ولا يخفاه خبث طباعهم فتقدم إليهم بأن يتفقدوا بالفحص وإحصاء ما حازه وأخذه كل من طوائفهم وعساكرهم وشدد عليهم في الأمر بذلك فأجابوه بالسمع والطاعة وامتثلوا لأمره وأخذوا في جمع ما يمكنهم وإرساله إلى القلعة وركبوا وشقوا بشوارع المدينة وأمامهم المناداة بالأمان وأحضر الباشا المعمار وأمره بجمع النجارين والمعمرين وإشغالهم في تعمير ما تكسر من أخشاب الدكاكين والأسواق ويدفع لهم أجرتهم، وكذلك الأخشاب على طرف الميري.